المياه

الأهمّيّة الحيويّة للماء

الماء هو الحياة، ويمكن تفسير تلك المقولة من وجهة حيويّة بناءً على عدة خواص مميّزة يقوم بها الماء، والتي هي أساسيّة لاستمرار الحياة على وجه الأرض. من بين تلك الخواص الحيويّة قيامه بدور مذيب عام، إذ أنّ أغلب المواد الحيويّة تكون مذابة أو معلّقة فيه، ولهذا الأمر أهمّيّة في العمليّات الاستقلابيّة، كما يشكّل الماء وسطاً حيوياً يسمح بقيام تفاعلات عضويّة حيويّة تؤدّي في النهاية إلى تأمين التناسخ الذاتي، ممّا يضمن استمرار التناسل وبقاء الكائنات الحية.

يعدّ الماء أساسيّاً لحدوث عملية التركيب الضوئي وبالتالي التنفس الخلوي عند الكائنات الحيّة. تقوم خلايا النباتات أثناء عمليّة التركيب الضوئي باستخدام طاقة الشمس لفصم الهيدروجين عن الأكسجين في جزيء الماء، حيث يتحدّ الهيدروجين مع ثنائي أكسيد الكربون CO2 ليشكّل الغلوكوز ويحرّر الأكسجين. بالمقابل تستخدم الكائنات الحيّة الأكسجين لتحرق السكر (الكربوهيدرات بشكل عام) لتحرر الماء وغاز ثنائي أكسيد الكربون من أجل تأمين الطاقة لاستمرار الحياة. للماء أيضاً دور مهمّ في تأمين وسط معتدل أس هيدروجيني ~ 7، وبالتالي في عمل الإنزيمات. بالنهاية تحتاج كلّ الكائنات الحيّة إلى كمّيّات من الماء للقيام بعمليّاتها الحيويّة، مثل التخلص من الفضلات على سبيل المثال.

الماء أساس الحياة

التركيب الضوئي والتنفّس. ثنائي أكسيد الكربون (على اليمين) يشكّل مع الماء مركّبات عضويّة بالإضافة إلى الأكسجين (على اليسار) من خلال عملية التركيب الضوئي. هذه المنتجات تستهلك في عملية التنفّس الخلوي ليتشكّل الماء و (CO2) من جديد.

بدأت أول أشكال الحياة في الماء ومنها تطوّرت إلى أشكال الحياة المعروفة الآن. من الأمثلة المعروفة على أشكال الحياة البدائيّة وجود نوع من بكتيريا مختزلة للكبريت وهي بدائيّة النواة وذاتيّة التغذية وتنتج الطاقة من حدوث تفاعل أكسدة-اختزال بين كبريتيد الهيدروجين وثنائي أكسيد الكربون بوجود أشعة الشمس ممّا أسهم في الحصول على منتجات للكربون بالإضافة إلى الماء.

تلا ذلك وجود البكتريا الزرقاء وجميع أنواع حقيقيّات النوى ذاتيّة التغذية التي استخدمت الماء وثنائي أكسيد الكربون في تفاعل إنتاج الطاقة بوجود الضوء للحصول على الأكسجين والسكّر:

من خلال هذه العمليّة ارتفع منسوب غاز الأكسجين في الماء وفي الغلاف الجوّي، وبذلك أصبح من الممكن الحصول على الطاقة عن طريق التنفّس الخلوي.

على هذا الأساس أصبح الماء هو الوسط الرئيسي في جميع الكائنات الحيّة من أجل تمام عمليات الاستقلاب الكيميائيّة الحيويّة للحصول على الطاقة وتخزينها. ويتمثّل ذلك في العمليّات الحيويّة التالية: التركيب الضوئي وتحلّل السكّر وتحلّل الدهن ودورة حمض الستريك ودورة اليوريا. يعود الفضل في ذلك إلى كون الماء من المذيبات القطبيّة ممّا يسهم في إذابة الإلكتروليتات والمركّبّات القطبيّة، ومن جهة أخرى تسهم لزوجة وكثافة الماء الملائمة في كونه وسطاً ناقلاً للمركّبات اللاقطبيّة غير القابلة للذوبان في الماء، مثل المغذّيّات والدهون ونتائج التقويض والهدم الاستقلابي والهرمونات. بالتالي فالماء هو أساس الأوساط الناقلة مثل الدم والبلازما واللمف عند الثديّيات والنسيج الوعائي الخشبي عند النباتات.

يقوم الماء بالإضافة إلى ذلك في ضبط حرارة جسم الكائنات الحيّة وذلك على شكل إدماع (تعرّق النبات) أو على شكل عَرَق عند البشر والحيوانات. من جهة أخرى تستخدم النباتات وبعض الحيوانات اللافقارية ظاهرة ضغط الامتلاء (أو ضغط الانتباج) بالاعتماد على امتلاء محتوى الخليّة بالماء للقيام بتحريك بسيط للأعضاء. تلاحظ هذه الظاهرة لدى بعض النباتات عند تحريك الأوراق، كما تلاحظ أيضاً عند شوكيات الجلد مثل قنفذ البحر ونجم البحر وخيار البحر.

الحياة المائيّة

جزء من التنوّع الحيوي في أحد الشعاب المرجانيّة.

تزخر مياه الأرض السطحيّة بعدّة أشكال من التنوّع الحيوي فيها، وتتناقص كلما ازداد العمق. تعتمد الحياة المائيّة في البحار والمحيطات في وجودها على الماء كعامل أساسي للكتلة الحيويّة، ويكون العامل المحدّد للإنتاجيّة هو كمّيّة ومقدار المغذّيّات النباتيّة المذابة مثل الفوسفات ومركّبات النتروجين مثل الأمونيوم والنترات بالإضافة إلى ثنائي أكسيد الكربون CO2.

تنمو بعض النباتات في الماء مثل الطحالب وتعدّ أساساً للعديد من النظم البيئيّة تحت سطح الماء؛ كما تعيش العوالق (البلانكتون) أيضاً تحت سطح الماء، وهي متعضّيّات صغيرة جداً، وهي ذات أهمّيّة بالغة، إذ تعدّ الأساس في وجود السلسلة الغذائيّة في المحيطات. إنّ أوّل ظهور للشكل البدائي للحياة كان في الماء؛ مع وجود أصناف عديدة من الأسماك والعديد من اللافقاريات التي تعيش في الماء فقط بالإضافة إلى وجود البرمائيّات والتي تقضي حياتها بين اليابسة والمياه. يستمر التدرّج في كبر وحجم الأنواع حتى الوصول إلى الثديّيات البحريّة.

تحتاج الفقاريّات المائيّة إلى الأكسجين لحياتها، وهي تفعل ذلك بطرق مختلفة. للأسماك مثلاً خياشيم بدلاً من الرئتين والتي تتمكّن من خلالها أن تعيش تحت الماء، رغم أنّه يتوفّر لدى بعض الأسماك مثل الأسماك الرئويّة كلا نظامي التنفّس. أمّا الثديّيات البحريّة مثل الدلفين والحوت وثعالب الماء وزعنفيّات الأقدام فهي تحتاج للصعود إلى السطح بشكل دوري لتنفّس الهواء. تقوم بعض البرمائيّات بالتنفّس عن طريق امتصاص الأكسجين من خلال جلدها. تمتلك اللافقاريّات العديد من التحويرات كي تبقى على قيد الحياة في بيئات ذات مياه فقيرة بالأكسجين وذلك باستخدام أنابيب تنفّس مثلاً.

يؤدّي تعلّق كثافة الماء بدرجة الحرارة إلى حدوث ظاهرة التطبُّق وإلى حدوث تيّارات مائيّة داخل كتلة الماء الموجودة في المسطّح المائي، والتي تعد ذات أهمّيّة كبيرة للموائل والأمكنة الحيوية في المياه العذبة وفي مياه المحيطات المالحة على حد سواء. إن شذوذ الكثافة لدى الماء يمكّن الكائنات البحريّة من البقاء على قيد الحياة في فصل الشتاء، إذ أنّ البيئات المائيّة بذلك لن تهبط عند التجمّد إلى القاع إنّما ستطفو على السطح.

الحياة البريّة

يعدّ الماء أساسيّاً وعاملاً محدّداً للإنتاجية في النظم البيئيّة على الأرض، إذ أنّه ضروري الوجود من أجل عمليّة الاستقلاب عند الأحياء (الغلاف الحيوي)، كما له دور أساسي في تشكيل وتطبيع أماكن تواجدها، إن كان في غلاف الأرض الترابي أو الجوّي. تقوم الهطولات المطريّة و/أو الثلجيّة بتغذية المسطّحات المائيّة والمياه الجوفيّة كمصدر حيوي من أجل نمو النباتات ولتأمين مياه شرب للحيوانات.

يتم الاستفادة من خواص الماء من قبل العديد من الكائنات الحيّة، فعلى سبيل المثال تستغل الحشرات والعنكبيّات خاصّيّة التوتّر السطحي للماء في حياتها اليوميّة بشكل كبير.

الإنسان

يشكّل الماء النسبة العظمى من مكوّنات جسم الإنسان.

إنّ حوالي ثلثي جسم الإنسان وزناً هو ماء، ممّا يبرز الأهمّيّة الحيويّة له بالنسبة لبقاء البشريّة. تتراوح نسبة الماء في الجسم بين 55% إلى 78% وذلك حسب الحجم. عندما تنقص كمّيّة الماء في الجسم يشعر الإنسان بالعطش؛ إذ لا يستطيع الإنسان أن يعيش دون شرب ماء لفترة طويلة. يؤدّي نقصان كمّيّة الماء في الجسم إلى آثار صحّيّة سلبيّة كبيرة، مثل حدوث التجفاف، ممّا يؤدّي إلى تعطّل بعض وظائف الجسم التي تحتاج الماء كي تعمل بانتظام. يؤدّي عدم شرب كمّيّات كافية من الماء إلى حدوث شعور بالدوار والغثيان، واضطرابات في التروية الدموية، بالإضافة إلى تشنّجات عضليّة.

تتفاوت التقديرات حول الكمّيّة الموصى بها لشرب الماء يوميّاً، ولكن لا ينبغي أن تقل عن 1.5 ليتر من الماء يوميّاً، وهي كمّيّة تقديريّة وسطيّة لتجنّب حدوث الجفاف (6-7 كاسات من الماء يوميّاً). وللآن لا توجد أدلّة علميّة كافية تلزم الإنسان بشرب كمّيّة محدّدة من الماء يوميّاً، مثل القول أنه ينبغي شرب 8 كاسات من الماء كلّ يوم. من جهة أخرى، هناك عدد من الدراسات التي ربطت بين الاستهلاك المرتفع لماء الشرب مع حدوث اضطرابات ومشاكل في الوزن. ربّما تزداد الكمّيّة الموصى بها حسب المناخ، ففي البلدان ذات المناخ الحارّ يرتفع الطلب اليومي على شرب الماء، كما تزداد حاجة الجسم إلى الماء عند مزاولة جهد عضلي مثل الرياضة. بالمقابل، يؤدّي شرب كمّيّات فائضة من الماء عن الحاجة بشكل مبالغ يزيد عن 20 ليتر في اليوم إلى حدوث تسمّم بالماء وذلك بسبب حدوث اختلال توازن الكهرليتات ونقصان كمّيّة الأملاح في الجسم، وخاصّة نقص صوديوم الدم، ممّا يؤدّي إلى حدوث حالة تلف دائم في الخلايا العصبيّة تنتهي بالوفاة

المصدر: ويكيبيديا

إغلاق