الحشرات

حياة الحشرة

التكون

كثير من الحشرات تولد لتبقى صغيرة، فمعظم الحشرات تبدأ حياتها داخل البيضة حيث تكون محمية بغلافٍ صلب. تضع الحشرات عدداً كبيراً من البيض، فأنثى الذباب المنزلي مثلاً تضع 1000 بيضة خلال أسبوعين فقط؛ وعندما تفقس بيوضها؛ القليل فقط من صغارها يبقى على قيد الحياة، حيث يعتمد ذلك على البيئة التي تعيش فيها الحشرة، أي إن كانت تؤمن لها معظم متطلبات حياتها على الأقل وكان فيها قليل من الضواري. وكمعظم الحيوانات البدائية التي تفقس من البيض فإن الحشرات تختلف شكلاً عن والديها عند التفقيس، فهي تفتقد للأجنحة والوظائف الجنسية وفي بعض الأحيان لا يكون لها أي سيقان.وعندما تنضج يكون شكلها قد تغير من خلال التطور.

التطور

إن معظم الحشرات تفقس من البيض الذي تضعه الأم على أوراق النباتات أو في الماء أو الجحر وغير ذلك من الأماكن، إلا أن البعض منها يتكوّن في بيض بداخل جسد الأم ومن ثم يولد حيّا، إلا أنها جميعا تمر بعدّة مراحل من التغييرات أثناء نموها (الانسلاخ الداخلي أو التقشير)، والسبب الذي يجعل الحشرات تقشّر هيكلها الخارجي يعود إلى أن الأخير غير ليّن حيث يضيق على الحشرة أثناء نموها، وبعد أن تطرح الحشرة هيكلها القديم تكبر في حجمها وينمو لها هيكل جديد.

معظم الحشرات تمر بأحد نوعين من التطور هما التطور الكامل أو التطور الناقص، فاليعاسيب والجنادب، والجداجد من بين الحشرات التي تمر بمرحلة التطور غير الكامل حيث يبدو الفرق بين الحشرات البالغة وصغارها واضح. فالصغار التي يطلق عليها “حوريات” تنمو بالتدريج في الشكل، وينسلخ عنها هيكلها الخارجي ليصبح جسمها بالغا وكامل النمو والشكل وتنمو معها الأجنحة من براعمها للخارج مع الانسلاخ الأخير وتصبح قادرة على الطيران بعد أن تجف أجنحتها.

كما جميع أنواع الحشرات التي تمر بالتطور الكامل، يقوم هذا السرمان الأزرق بطرح هيكله الخارجي عدّة مرات طيلة الفترة السابقة على بلوغه.
كما جميع أنواع الحشرات التي تمر بالتطور الكامل، يقوم هذا السرمان الأزرق بطرح هيكله الخارجي عدّة مرات طيلة الفترة السابقة على بلوغه.

وفي حالة النمو التحويلي الكامل كما في الفراشات والعث والخنافس والنحل والذباب المنزلي، يطلق على الصغار اسم اليرقات التي تبدو مختلفة تماما عن الحشرة الأم حيث تشبه بشكلها شكل الدودة، وتقسّم اليرقات من حيث شكلها إلى 5 أشكال مختلفة: شبيهة اليسروع، شبيهة الدويدة، الطويلة المفلطحة النشيطة، شبيهة الدودة الشريطيّة، وشبيهة يرقة الذباب. وعندما تنمو اليرقة لحجمها الكامل وتدخل في مرحلة العذراء يتغير شكلها تماما، حيث تحاط بشرنقة واقية، وهناك أيضا ثلاثة أنوع من العذراء: المغمّدة (حيث تكون العذراء مضغوطة مع أرجلها وكامل أعضائها الخارجية)، شبه المغمّدة (حيث تكون أرجل العذارء وأعضائها الخارجية ممددة وطليقة)، وغير المغمّدة (حيث تتطور العذراء بداخل جلد اليرقة). ويتحول جسم العذراء ليصبح حشرة بالغة تخرج من الشرنقة ويضخ في أجنحتها الجديدة الدم قبل أن تصبح قادرة على الطيران. وبمجرد وصول الحشرة لمرحلة البلوغ تتوقف عن النمو وتوجه كل طاقتها للتناسل، وفي بعض الحشرات مثل خنافس الخشب فإنها تظل عقدا كحورية وشهورا قليلة كحشرة بالغة، بينما ذبابة مايو أو ذبابة أيار البالغة تعيش يوما واحدا، وتضم هذه المجموعة الحشرات الأكثر نجاحا واتنشارا على وجه الكرة الأرضية.

يتغير شكل الحشرة بشكل كبير أثناء مرحلة العذراء حيث تخرج من هذه المرحلة إما بالغة كاملة تشابه والديها، أو تخرج غير مكتملة في بعض الأحيان، وقد طوّر البعض من الحشرات المقدرة على التحوّل إلى نوع آخر من اليرقات حتى. ومن الأمثلة على الحشرات التي تتحول تماما إلى شكل آخر الفراشة. تُظهر بعض فصائل الحشرات مثل الزنابير الطفيليّة حالة التعدد الجنيني، وهي الحالة التي يفقس فيها من بيضة واحدة مخصبة العديد من الصغار وفي بعض الأحيان الآلاف منها. ومن أشكال التكاثر والتطور الأخرى: التكاثر المفرد أو البسيط، تعدد الأشكال، التشكّل الجنسي، التوالد البكري، والتوالد الخنثوي أو التخنيث في حالات نادرة.

التزاوج

ذبابتين حوّامتين تتزاوجان في الهواء

إن الهدف الأول لمعظم الحشرات البالغة هو العثور على شريكه من خلال إتباع عدة طرق من بينها الأصوات والرائحة واللمس أو إصدار أضواء مبهرة كاليراعة. وكل نوع له نداءاته الخاصة ودعوته للتزاوج. وقد تُسمع أصوات الحشرات الصغيرة حتى من على بعد، كما تُسمع أصوات الدعوة للتزاوج للجداجد من مسافة قد تصل كيلومتر ونصف. وهناك حشرات إناثها تبحث عن الذكور وهناك ذكور تبحث عن الإناث، ومعظم الحشرات لها تلقيح داخلي وهذا معناه أن الحيوان المنوي والبويضة يلتصقان معا داخل الأنثى على العكس من الإخصاب الخارجي حيث تخصب الذكور البويضات التي تفرزها الأنثى كما يحدث بالمياه. وهناك ذكور تلقي بحيواناتها المنوية على الأرض لتلتقطها الأنثى وتلقح بها نفسها داخليا، وفي معظم الأحيان الذكر والأنثى يتزاوجان معا. وفي الحشرات المفترسة يكون الذكر أقل حجما من الأنثى، وفي العادة يكون معرض لتأكله الأنثى بعد الجماع؛ لهذا فإن بعض الذباب يقدم لأنثاه حشرة صغيرة لتجنب هذا المصير ولتلتهي بأكلها أثناء العملية الجنسية، أماإن جاءها خالي الوفاض تأكله ابتدأ من رأسه.

حفظ النوع

هناك البعض من الحشرات التي تبعثر بيضها وتتركه، والبعض الآخر تضع بيضها في جذوع الشجر أو في أنسجة حيوانات ميتة أو تلصق البيض فوق ظهر الذكر بعد الجماع. والصراصير والجنادب تضع بيضها مغلقا في مادة أسفنجية مكونة كتلة من البيض، وقليل من أنواع الحشرات لا تعتمد على الإخصاب حيث تبيض البويضات غير الملقحة بها نصف عدد الكروموسومات لتتضاعف وتنمو كأنها خصبت، ولا تحتاج أنثاها للتزاوج وهذا شائع في حشرات المن والحشرات الصغيرة التي تتغذى على عصير النباتات، ولا سيما في الربيع حيث يكثر عصير الغذاء وعندما يشح الغذاء بالصيف تلجأ إلى التكاثر الجنسي. وإجمالا يمكن القول بأن معظم الحشرات تتأكد أن بيضها قريب من مصدر للطعام بعد أن تضعه.

السلوك الاجتماعي

تعتبر الحشرات الاجتماعية، من شاكلة النمل الأبيض (أو الأرض كما يُعرف)، النمل، والعديد من فصائل النحل والزنابير والدبابير، أكثر فصائل الحيوانات الاجتماعية المنظمة شيوعا؛ فهي تعيش في مستعمرات منظمة متناغمة حيث يتشابه جميع أفرادها جينيّا لدرجة جعلت البعض من العلماء يفترض أحيانا أن المستعمرة بكاملها تعتبر كائنا عضويّا واحدا. يُعتبر في بعض الأحيان أن الفصائل المختلفة من نحل العسل هي اللافقاريات الوحيدة (وإحدى المجموعات غير البشرية القليلة) التي طوّرت نوعا من التواصل الإيحائي أو التواصل بالإشارة (عندما يعبّر هذا النوع من التواصل عن معلومة معينة تتعلق بشيئ ما في بيئتها)، وتسمّى هذه الطريقة التي يعتمدها النحل “لغة الرقص” أو “الرقص الاهتزازي” – حيث ترقص النحلة باتجاه زاوية معينة تمثّل اتجاها بالنسبة لموقع الشمس، تمثّل طول مدة الرقصة المسافة التي يجب اجتيازها للوصول إلى الموقع المحدد.

فراشة ملكية.

وحدها الحشرات التي تعيش في أعشاش أو مستعمرات تُظهر مقدرة حقيقية على معرفة الاتجاه أي تظهر السلوك المعروف بالسلوك “الزاجل” (لها المقدرة على معرفة الاتجاه إلى وكرها) – إلا أن هذا السلوك يعدّ معقدا وهو يمكّن الحشرة من العودة إلى جحر واحد يبلغ قطر فتحته بضعة ميليمترات فقط من بين آلاف الفتحات المتطابقة مع بعضها والمتقاربة، بعد أن تكون قد تنقلت لعدّة كيلومترات؛ طالما لم تمرّ سنة منذ آخر فترة رأت فيها الوكر، وهذا ينطبق أيضا على الحشرات التي تسبت شتاءً حيث تستطيع أن تعثر على وكرها أيضا بعد أن تستيقظ. والقليل من الحشرات يهاجر، إلا أن هذا لا يعدّ هجرة بالمعنى الصحيح للكلمة بل مجرّد تحليق لمسافات طويلة وغالبا ما يشمل المناطق الكبيرة الواسعة، مثل أراضي تمضية الشتاء لدى الفراشة الملكية.

السلوك الحشري يتحكم فيه الجهاز العصبي المركزي بها ولهذا تتفاعل الحشرات مع البيئة المحيطة ومع زملائها من نفس النوع. فالعث تطير للضوء المبهر رغم ما قد يكون الضوء ساخنا ولا يمكنها مقاومة غريزتها نحو هذا الضوء، كما أن الحشرات بصفة عامة مبرمجة لتسلك سلوكا معقدا طوال حياتها اليومية، فتتعامل بنجاح مع مئات المواقف كالدفاع عن النفس وضد هجوم الأعداء والبحث عن الطعام أو على شريك للتزاوج.

الحماية

سرعوف مصلّي متخذا وقفة عدائية.

عندما تداهم الحشرة حشرة أخرى أكبر منها أو حيوان آخر كالطيور أو الزواحف تلجأ معظمها للهروب السريع والبعض قد يلجأ للدغ العدو أو اتخاذ موقف عدائي. وبعض الحشرات الصغيرة تلقي نفسها على الأرض وتتظاهر بالموت وتعود للحياة عندما يزول الخطر بدلا من أن تهرب، وتقوم الخنافس الطقطاقة بإلقاء نفسها على ظهرها وتخرج مفصلا بسرعة من صدرها يحدث صوتا وتحرك جسمها بسرعة إلى فوق وتحت. وكثير من الحشرات تلقي الحماية من خلال التمويه اللوني أو التحذير اللوني بحيث تبدو كجزء من المكان كما تفعل الفراشات لأنها لا تستطيع الهروب بسرعة من المفترسين، فتخزن كيماويات سامة في أجسامها ولونها الزاهي يحذر المفترسين بأنها غير مستساغة الطعم أو أنها سامة.

المجتمع

حشرات كثيرة تقضي المراحل المبكرة من حياتها تتغذي معا في مجموعات، وفي بعض الأنواع يتجمع البالغون معا للعيش سويّا والتعاون في البحث عن الغذاء كالنمل والنحل واليعاسب والنمل الأبيض، حيث يجمعهم معا نهج حياتي ولهذا السبب تصنع هذه الحشرات لأنفسها المستعمرات كأسر دائمة تعيش بها معا، وتشارك في العمل لمواصلة الحياة من خلال هذا السلوك الاجتماعي الجماعي. وكثير من هذه المستعمرات الجماعية تكونها أنثى واحدة يطلق عليها الملكة، وبعد تزاوجها تبدأ في صنع عشها لتضع فيه بيضها الذي يفقس إلى شغّآلات وبعدما تنمو صغارها يتولون عمل الملكة الأم لتتفرغ الأخيرة لإنتاج البيض. ومن أهم الحشرات الاجتماعية:

ملكة النحل في الوسط بين العديد من الشغالات.

  • النحل: من أشهر فصائل النحل الاجتماعية نحل العسل. تضم خليّة النحل ملكة وبضع ذكور وآلاف الشغالات، ووظيفة الملكة وضع البيض، وهي أحيانا قد تبيض ألفا وخمسمائة بيضة يوميا؛ والبيض المخصب ينتج الملكات والشغالات أمّا غير المخصب فينتج الذكور. وذكور النحل لا تؤدي عملا في الخلية ووظيفتها تلقيح الملكة، وبعد ذلك تموت. وتقوم الشغّآلات بكافة أعمال الخليّة، فتعتني بالملكة والنحل الصغار وتبني الخلايا أو النخاريب الشمعيّة السداسية الشكل حيث يُخزن العسل ويوضع البيض، وهي حرس الخليّة من أصناف النحل الأخرى أو الدبابير السلاّبة، وعند اشتداد الحر تُهوّي الخليّة وتُبردها برفيف أجنحتها. وتعيش الشغالات في الصيف، وهو موسم عمل شاق حوالي ستة أسابيع، أما شغالات الخريف فتعمّر ضعف ذلك أو يزيد. وتعمّر ملكة النحل في العادة بضع سنوات. وعند فقس البيوض في الخلية تُطعم اليرقات غذاءً خاصا تصنعه الشغالات، فتُغذّى يرقات الشغالات بخبز النحل وهو مزيج من العسل وحبوب اللقاح، وتُغذى يرقات الملكات والملكة بالغذاء الملكيّ وهو غذاء خاص تفرزه الشغالات من غدد في رأسها، أما يرقات الذكور فتُغذى خبز النحل مع قليل من الغذاء الملكي.

وعندما تغادر النخروب ملكة جديدة فإنها تطير يوما وتتبعها بعض الذكور فتلقحها وتموت، ثم تعود الملكة مستعدة لوضع البيض. وفي نهاية الصيف تُطرد الذكور المتبقية من الخليّة لتقضي نحبها بردا وجوعا، وفي الربيع قد تضيق الخليّة بالنحل الجديد فتنتقل الملكة مع بعض النحل إلى مكان آخر. تتشابه العادات الاجتماعية للدبابير والزنابير مع تلك الخاصة بالنحل، إلا أنها تختلف في بعض الأشياء فقط مثل أنواع الغذاء.

ملكة نمل مخصّبة تبدأ بحفر جحر لها.

  • النمل: تعيش النمل في قرى تحت الأرض أو داخل الشجر النخر والنباتات المتحللة، وتحوي قرية النمل من بضع عشرات إلى مئات الآلاف وتضم ملكة أو أكثر وعاملات وذكور. وتعمّر النملة العاملة بضع سنوات وقد تعيش الملكة خمس عشرة سنة، والنمل متعدد الأنواع وينتشر في شتّى أنحاء الأرض ويعرف العلماء منه حوالي ستة آلاف نوع بعضها لاحم وبعضها يتغذى بالبزور. وبعض النمل تستطيب عسل الأرق فتربّي الأرق (وهي حشرات من نوع المنّ) للحصول عليه كما يربي البشر المواشي. وتطير الذكور والإناث أسرابا للتزاوج ثم تموت الذكور وتعود الأنثى أو الملكة إلى الأرض فتقصف أجنحتها وتتخذ لها عشّا أو حجيرة تحت الأرض، وتبدأ بوضع البيض وتنقطع عن الطعام في هذه الفترة. وعندما يفقس البيض تخرج اليرقات عديمة الأرجل فتعتني بها الملكة وتغذيها بلعابها، وتغزل يرقات النمل شرانق تتحول داخلها إلى عذراوات ثم إلى عاملات. وبظهور العاملات يختلف حال العش، إذ تقوم العاملات بحفر حجرات أكبر وأنفاقا وتتولى جمع الطعام من سطح الأرض والاهتمام براحة الملكة الأم، وقد تمر أعوام قبل أن يكتمل نمو قرية النمل.

والنمل السلاّبة هي نوع غريب من النمل يهاجم أعشاش النمل الأخرى فيأسر يرقاتها ويعود بها إلى قريته، وعندما تنقف النملات الأسيرة تعمل عبيدا في عش أسيادها.

قرية النمل الأبيض قد تتكون من عدة أبنية عجيبة يبلغ علوها بضعة أمتار.

  • النمل الأبيض (الأرض): أما النمل الأبيض فتشبه النمل العادي قليلا، لكنها ليست من النمل فعلا، وهي أيضا تعيش في جماعات كبيرة في المناطق الحارة وتبني أعشاشا غريبة كالقلاع من حُبيبات الرمل التي تلصقها معا. وتتخلل هذه المستعمرة شبكة من الأنفاق والحجيرات يُستخدم بعضها لاستنبات بعض النبت الفطري، وتضم المستعمرة حوالي مليوني نملة حول الملك والملكة التي تكون وظيفتهما الوحيدة التزاوج، والنملة الأهم في العش هي الملكة. وبعض الأنواع من الأرض تضع ملكتها 86 ألف بيضة يوميا، ويضم العش أيضا النملات العاملات من بينها شغالات تظل 24 ساعة تهضم ألياف الخشب ومادة السيليلوز التي تأكلها. والإناث التي تصبح ملكة تطعمها الشغالات غذاء كيماويا خاصا للتأكد من نمو الأجنحة وجعلها قادرة على التزاوج ووضع البيض، وقد يصل طول الملكة أربع بوصات، ويضم العش بالإضافة إلى العاملات والملكة والملك أرضات مقاتلة وظيفتها حماية القرية والقتال عند الضرورة. ورغم أن النمل الأبيض نافع للطبيعة لأنه يأكل الأخشاب النباتية الميتة ويغذي التربة، إلا أنه يعدّ ضارا للبشر بما أنه قد ينخر خشب المنازل الريفيّة.

العناية بالصغار

إن معظم الحشرات تعيش لفترة قصيرة بعد بلوغها، ونادرا ما تحتك أو تتفاعل مع غيرها من الحشرات سوى للتزاوج أو لتتنافس على شريك. يُظهر عددا قليلا من الحشرات شكلا من العناية بصغارها حيث تقوم بحراسة بيضها على الأقل، وفي بعض الأحيان تستمر بحماية صغارها حتى البلوغ، وقد تستمر حتى بإطعامها بشكل متواصل. ومن أشكال العناية الأخرى بالصغار إنشاء عش (جحر أو بناء معيّن سواء كان بسيطا أو معقدا) وتجهيزه ببعض الأساسيات كالطعام، ومن ثم وضع بيضة فوق ما تمّ تجهيزه. ولا تحتك الحشرة البالغة بالصغيرة إلا أنها تستمر بتأمين الطعام لها، ويعدّ هذا الشكل من العناية الأبويّة نمطيّا لدى أنواع مختلفة من النحل والزنابير والدبابير.

الحواس والاتصالات السلوكية

جدجد الآجام الأخضر الكبير، إحدى أنواع الحشرات المُصدرة للصوت.

وسائل الاتصالات أساسية ومتعددة ومتنوعة بين كل الحشرات، وهي تلعب دورا حيويا فيما بينها، فالعديد من الحشرات يمتلك أعضاءً حسيّة حساسة جدا أو متخصصة بحاسّة واحدة أحيانا، ففي الظلام والتزاحم في بيوتها يُلاحظ أنها ترسل رسائلها باللمس والشم، وبعض الحشرات كالنحل تستطيع أن ترى موجات الأشعة مافوق البنفسجية أو تحدد أشعة الضوء المستقطب، وملكات النحل وفصائل الدبابير والزنابير المختلفة تفرز كيماويات طيارة بالهواء تسمى الفورمونات تنشط أعضاء المستعمرة للعمل كوحدة واحدة، ولو أقدمت حشرات غريبة على وطأ العش فإنها تتسارع لمهاجمتها بسرعة. وكذلك الأمر بالنسبة للعث، فالذكور منها قادرة على تحديد فورمونات الأنثى بواسطة قرونها الاستشعارية من على بعد العديد من الكيلومترات. وتتبع الحشرات الاجتماعيّة وسائل مختلفة للتواصل مع بعضها، فعند البحث عن الطعام مثلا تقوم إحدى النملات الشغّآلة بإطلاق روائحها في خط سيرها لتتبعها الشغالات الأخرىات للعثور على مورد الغذاء والعودة به للوكر، بينما نحلة العسل الشغالة ترقص لتشير إلى أماكن الطعام لزملائها التي تتجه إليه مهما كان بعيدا عن القفير (حتى ولو كانت على بعد 10 كم).

هناك علاقة عكسيّة بين حواس الرؤية، اللمس، والشم لدى الحشرات؛ فكلما كانت إحداها حادة يُلاحظ أن الأخرى تكون أقل أهمية بالنسبة للحشرة أي أقل حدة، فالحشرات ذات العيون المتطوّرة يكون لديها في العادة قرون استشعار بسيطة أو قصيرة والعكس صحيح. وهناك مجموعة من الآليات التي تميّز الحشرات بواسطتها الصوت، إلا أنها ليست مألوفة ومشتركة بين جميع الفصائل، إلا أن النمط العام يُظهر بأنه إن كانت الحشرة قادرة على إصدار الأصوات فهي قادرة على سماعها أيضا إلا أن نطاق تلقيها للموجات الصوتيّة ضيّق جدا بحيث قد يكون مقصورا فقط على الموجات الصوتية التي يُصدرها النوع بنفسه دون أي أصوات أخرى. إن بعض أنواع العث الليليّة قادرة على تلقّي الأصوات مافوق السمعيّة التي تصدرها الخفافيش، وهي بهذا تستطيع أن تتفادى الافتراس؛ كما وإن بعض الحشرات المفترسة أو الطفيليّة قادرة على سماع الأصوات الخاصة بطريدتها أو مضيفتها، وللحشرات مصاصة الدماء بنية حسيّة خاصة تساعدها على تحديد الأشعة تحت الحمراء، وهي تلجأ إلى هذه الطريقة لتحديد موقع مضيفها.

رسم يبيّن الأعضاء الحسيّة في الحشرات.

إن البعض من هذه الأصناف الأخيرة من الحشرات تمتلك المقدرة على إدراك الأعداد، ففي أنواع الزنابير الانفرادية التي تعتمد على نوع واحد من الطرائد في غذائها تقوم الأم بعد أن تضع بيضها في خلايا تحوي كل منها بيضة واحدة، بإحضار عدد من اليرقات الحيّة والتي تضعها بالقرب من كل بيضة على حدى كي تتغذى عليها الصغار عند الفقس. وبعض فصائل الزنابير تقوم دائمًا بتأمين نفس العدد من اليرقات لإطعام صغارها، فبعضها يأتي دوما بخمسة يرقات والبعض الآخر بإثنا عشر يرقة بينما يقوم البعض الآخر بتأمين ما يزيد على 24 يرقة لكل خليّة على حدى، ويختلف عدد اليرقات التي تؤمنها الأم باختلاف الفصيلة إلا أنه يكون هو دائمًا نفسه بالنسبة لجنس العذراء أي أن عدد اليرقات التي تحضرها الأم لصغارها الإناث يكون هو نفسه بالنسبة لجميع الصغار من هذا الجنس وكذلك بالنسبة للذكور. تكون ذكور الزنابير الانفرادية المنتمية لجنس “إيومنس” (باللاتينية: Eumenes) أصغر من الأنثى، لذا فإن الأم من أي من الفصائل المنتمية لهذا الجنس تؤمن 5 يرقات فقط لصغارها الذكور، بينما تؤمن 10 يرقات لصغارها الإناث الأكبر حجما؛ وبعبارة أخرى فإن الأم قادرة على أن تميّز العدد 5 و 10 لليرقات التي تعود بها لصغارها، وأيضا أي من الخلايا تحوي ذكرا وأي تحوي أنثى.

وبالنسبة للحشرات التي لا تعيش في مجتمعات فإن وسائل الاتصال لديها تظهر أهميتها في التزاوج والدفاع عن أنفسها كالصرصار والجندب، حيث يجذبون شريكهم بالأصوات ثم يحكون جزءا من أجسامهم مع جزء آخر لتوليد أصوات متكررة في فترة معينة يسمعها الذكور والإناث من خلال آذان خاصة لتحس بأغاني ونداءات الآخرين والدعوة للتزاوج. وبعض الحشرات تلتقط الأصوات بقرون الاستشعار، فالبعوض يلتقط أصوات رفرفة الإناث بقرون استشعاره ذات الأهداب. والحشرات عادة تفرز روائح الفورمونات للإعلان عن وجودها ورغبتها في التزاوج.

توليد الضوء والرؤية

يراعة تولّد الضوء البارد.

إن البعض من فصائل الحشرات كتلك المنتمية لعائلة الذباب الصغير، اليراعات، بالإضافة لفصائل مختلفة من الخنافس تعتبر مولدة للضوء؛ وأبرز هذه الحشرات هي اليراعات بدون منازع. يستطيع البعض من هذه الحشرات أن يتحكم بتوليد الضوء مما يؤدي إلى إصدار ومضات ضوئية منها، يسمى بالضوء البارد ويختلف الهدف من إصدار هكذا أضواء باختلاف الفصائل، فالبعض يستخدمها لجذب شريك بينما البعض الآخر يستخدمها لاستقطاب طريدة كيرقات ذُبيبات الفطر القاطنة للكهوف، فهذه الأخيرة تولّد ضوءا وتستخدمه لجذب حشرات صغيرة إليها لتعلق الأخيرة بخيطان رفيعة من الحرير. تلجأ بعض أنواع اليراعات مثل تلك المنتمية لجنس “الأنثى القاتلة” (باللاتينية: Photuris) إلى تقليد الوميض الذي تصدره إناث فصائل أخرى من اليراعات لجذب شريك، وما أن ينجذب ذكر إليها حتى تفترسه. يختلف لون الضوء الذي تصدره الحشرات من الأزرق الجاف أو “البليد” إلى الأخضر المألوف عادة والأحمر النادر.

تستطيع معظم الحشرات، عدا بعض أنواع الجداجد القاطنة للكهوف، أن تميّز الضوء والظلام. والعديد من الفصائل تمتلك القدرة على أن تحدد أبسط التحركات، وتتألف عين الحشرة من عيون بسيطة أو عُوينات بالإضافة لعينين مركبتين بأحجام تختلف باختلاف الفصيلة، ويستطيع الكثير من الفصائل أن يحدد الضوء في الأشعة تحت الحمراء وفوق البنفسجية كما الموجات الضوئية المختلفة للضوء المرئي، كما ويُعرف أن العديد من الفصائل يمكنه تمييز الألوان.

إصدار الصوت والسمع

الزيز السنوي، إحدى أنواع الحشرات القادرة على إصدار أصوات هسهسة مرتفعة.

الحشرات هي أولى الكائنات الحيّة التي أصدرت الأصوات وشعرت بها كذلك الأمر، وتقوم الحشرات بإصدار الصوت عبر حركة أليّة معينة لأعضاء ثانوية أو إضافية في مؤخرتها، وفي الجنادب والجداجد فإن هذا يتحقق عبر حف القدمين ببعضهما البعض مما يولّد صريرا. تعتبر الزيزان أعلى الحشرات صوتا وهي تمتلك تعديلات خاصة لجسدها وجهازها العضلي تمكنها من إصدار وتضخيم الأصوات، وفي بعض الفصائل كالزيز الإفريقي فإن مقياس صوتها بلغ قياسه 106.7 ديسيبل من على بعد 50 سنتيمترا (20 بوصة). تستطيع بعض الحشرات مثل العثة البازية وفراشات العث الأميركية أن تسمع الصوت فوق السمعي وبالتالي فهي تستطيع أن تتملص من الخفافيش عندما تشعر بدنوّها منها، وبعض أنواع العث تصدر أصوات فوق سمعية كان يُعتقد سابقا أن لها دور في تعطيل أو التشويش على نظام ارتداد الأصوات لدى الخفاش، ولكن أصبح يُعرف الآن أنها تُصدر من قبل العث غير السائغ الطعم كتحذير للخفافيش، تماما كما تُستخدم الألوان التحذيرية من قبل بعض أنواع الحيوانات لتحذير الضواري التي تصطاد في وضح النهار من خطورة الطريدة أو سميّتها. كضفادع السهام السامّة. كما وتصدر حشرات من تلك التي تعتمد أسلوب التقليد هذه الأصوات أيضا

تستخدم بضعة فصائل من الحشرات من قشريات الجناح (الفراش والعث)، الخنافس، وغشائيات الأجنحة أصواتا خافتة جدا تصدرها بواسطة حركات أليّة من قوائمها عبر أجزاء ميكروسكوبية موجودة في تلك المناطق.

تمتلك معظم الحشرات القادرة على إصدار الأصوات أعضاء سمعيّة تمكنها من التقاط الذبذبات وتجعلها قادرة على التقاط الأصوات المنقولة بالهواء، كما وإن معظم الحشرات قادرة على الشعور بالاهتزازات التي تنتقل عبر الطبقة الأرضية السفلى، ويعدّ هذا النوع من التواصل الأكثر شيوعا بين الحشرات وذلك لأنه كي ينتقل الصوت بالهواء لمسافة بعيدة ينبغي أن يكون الحيوان على درجة معينة من الضخامة. لا تستطيع الحشرات أن تصدر أصواتا منخفضة التردد بفعالية، كما أن الأصوات العالية التردد تختفي وتتشتت في البيئات الكثيفة (مثل النبات)، لذا فإن تلك الحشرات التي تقطن هكذا بيئة تميل لاستخدام الأصوات المنقولة بالاهتزازات عبر الأرض. تعتبر أليات إصدار الإشارات الاهتزازية متنوعة بدرجة كبيرة كما هي وسائل إصدار الصوت عند الحشرات.

تلجأ بعض فصائل الحشرات إلى الاهتزازات للتواصل مع أفراد من نفس الفصيلة كما عندما تقوم باجتذاب شريك كما تفعل بقة الدرع، كما وتُستخدم هذه الطريقة أيضا للتواصل مع فصائل أخرى مختلفة كليّا مثل بين النمل وبعض أنواع اليساريع.

تقوم بعض الحشرات بإصدار صوتها عبر أعضاء أخرى من جسدها، فصرصور مدغشقر المهسهس يمتلك القدرة على أن يضغط الهواء عبر الفتحة التنفسية ليصدر صوتا شبيها بالهسهسة، وكذلك تفعل الفصائل المختلفة من عثة رأس الموت البازية الفم التي تصدر صوتا شبيها بالصيئ عبر إخراخ الهواء من بلعومها.

التواصل الكيميائي

بالإضافة إلى اسخدام الصوت كوسيلة للتواصل، فإن طائفة واسعة من الحشرات تستخدم الرسائل الكيميائية كوسيلة للتواصل مع بعضها البعض. تُشتق المواد الكيميائية التي تفرزها الحشرات من أيض النبات وهي تستخدم لاجتذاب شريك، إبعاد منافس، وتأمين معلومات عن الحشرة المعينة التي أفرزتها، وتُستخدم بعض من هذه الرسائل للتواصل مع أفراد من نفس الفصيلة والبعض الآخر مع أنواع أخرى من الحشرات. يُعرف على وجه اليقين أن استخدام الروائح تطوّر وظهر لدى الحشرات الاجتماعية في بادئ الأمر.

المصدر: ويكيبيديا

إغلاق